" رمضان كريم وعساكم من عوّاده " ، مقولةٌ تتردّد على ألسنة الناس يهنئون فيها بعضهم على حلول الشهر الكريم ، ويظهرون فيها فرحتهم وابتهاجهم بموسم الخيرات والبركات ، ذلك هو الشعور الرمضاني في دولة الإمارات العربية المتحدة .
وللّيالي الرمضانية عبقٌ خاصٌ عند الأطفال ، حيث يخرجون للّعب في الساحات والأحياء ، ويكثر عندهم استخدام الألعاب النارية والمفرقعات بمختلف أنواعها ، فبعضها ينفجر في الجو محدثاً أصواتاً عالية ، وبعضها يتحوّل إلى نجوم زاهية الألوان ، وبعضها يقذف شرارات مختلفة ، ولا تكاد ليلةٌ تخلو من استخدام هذه الألعاب التي تضفي على الجو بهجة في قلوب الجميع .
وعندما يتعلّق حديثنا برمضان ، فإنه يتوجّه بالضرورة إلى الكلام عن أهمّ ميّزاته وأجمل لحظاته ، إنه الكلام عن لحظاتٍ يصل فيها الشعور الإيماني إلى ذروته وقمّته ، حيث يبتهل العبد بالدعاء ومدّ أكف الضراعة إلى المولى جلّ وعلا ، ويثني فيها عليه بما هو أهله ، ولا يزال المسلم هكذا يتقلب في هذه الرحاب العلويّة ، حتى ينطلق الأذان يصدح في الفضاء مؤذناً بانتهاء صيام ذلك اليوم ، وحلول وقت الإفطار ، فتغمر الفرحة جنبات البيوت مصداقا لحديث الصادق المعصوم صلى الله عليه وسلم : ( للصائم فرحتان فرحة حين يفطر وفرحة حين يلقى ربه ) [b]، ويتحلّق الناس حول موائد الإفطار صغاراً وكباراً .
وفيما يتعلّق بالأكلات الرمضانية ، فإن الهريس يأتي في مقدّمها ، حيث تعتبر هذه الوجبة على قائمة الوجبات المفضلة عند أهل الإمارات ، ولا تكاد تخلو مائدة منها ، كما تشتهر المائدة الإماراتية بالثريد والسمبوسة والأرز بمختلف أنواعه : المكبوس والبرياني ، إلى جانب الحليب واللبن والعصائر المختلفة ، ويوجد من يقوم بتفضيل اللبن مخلوطا بالحليب ، وبطبيعة الحال تأثّرت المائدة الإماراتية بأكلات الشعوب الأخرى نتيجةً للتداخل الحضاري بين سكّان الإمارات ، ومن هنا دخلت لقمة القاضي والجيلي وغيرهما مما هو مشهور ومعروف .
ولدولة الإمارات نصيب وافرٌ من تقديم الوجبات الخيرية على الصعيدين الداخلي والخارجي ، أما على المستوى الداخلي ففي أغلب مساجد الدولة تجد فيها الموائد العامرة بالأطعمة المتنوعة ، والتي توزّع من قبل الجهات الخيرية والمؤسسات الحكومية ، ولا شك أن في ذلك رحمة لذوي الدخل المحدود من العمالة الوافدة وعابري السبل .
وعلاوة على ما تقدّم ، فهناك مظهرٌ آخر يستحقّ الإعجاب والثناء ، ذلك هو وقوف عدد من شباب الخير عند الإشارات والدوّارات أوقات الإفطار ، يحملون في أيديهم عبوات التمور الصغيرة وأكواب المياه ، ليقدّموها إلى السائقين الذين تأخّر بهم الوقت فلم يصلوا إلى بيوتهم .
وكان لذلك أثرٌ واضحٌ على بعض محطّات البترول في الدولة ، والتي احتذت بدورها حذوهم ، فقامت بتوزيع وجبات إفطار مجانية لمن يقوم بتعبئة البترول في ساعة الإفطار ، وبعضهم أضاف إلى ذلك توزيع شريط قرآني وورقة تذكير بدعاء الركوب والسفر هديةً تذكارية منهم .
ومن الملامح المميزة لهذا الشعب الكريم ، كثرة نصب الخيام في الشواطيء والبراري للجلوس هناك والترويح عن النفس بعد إتمام العبادة ، ويتلذّذ الناس بهجر البنيان والعودة إلى الأصالة ، وعادة ما تكون هذه المجالس مجهّزة بوسائل الراحة ، ويدور فيها الحديث عن مختلف جوانب الحياة ، ويفضّل الكثيرون ممارسة أنواع الرياضة لتساعدهم على هضم المأكولات ، وتحقيقا للمتعة والترفيه ، ومن أشهر هذه الألعاب ، كرة القدم وكرة الطائرة .
وفيما يتعلّق بالجانب العباديّ ، تتفاوت صلاة التراويح بين مسجد وآخر ، ففي بعض المساجد يفضّل المصلون أن تكون الصلاة ثماني ركعات ، والبعض الآخر يصلّي إحدى وعشرين ركعة ، وعلى أيّة حال فإن الصلاة تُعتبر معتدلة ليست بالطويلة ولا القصيرة ، حيث يختم بعض أئمة المساجد القرآن ، ولا يخلو الأمر من ممارسات شاذّة – للأسف – من بعض الأئمة الذين لا يخافون الله في صلاتهم ، إذ يُسرعون في الصلاة سرعةً تخلّ بأركان الصلاة ، ويتسابقون في إتمام الصلاة بأقل وقتٍ ممكن ، ويُذكر عن أولئك الأئمة أرقاماً قياسيّة يكاد المرء يستصعب قبولها .
ويوجد في الإمارات ما يُسمّى بالمهرجانات الرمضانيّة ، وهي مهرجانات شرائيّة تُنصب فيها الخيام ، ويأتي فيها البائعون من الداخل والخارج ، ويتقاطر الناس من كل مكان ليشاهدوا الجديد والغريب من البضائع والمنتجات ، لا سيما الباعة الصينيون الذين تميزوا عن غيرهم بالأدوات المبتكرة والمتميزة ، ويصاحب هذه المهرجانات تواجد ألعاب ترفيهية للأطفال ، وأماكن مخصّصة لبيع المطعومات والمشروبات المختلفة ، وفي بعض المهرجانات تُخصّص زوايا تراثية تُعرض فيها صور الحياة من الماضي ، وطرق وأساليب الحياة في الماضي مما يعيد إلى الأذهان أصالة حياة الآباء والأجداد .